Loading

You are here

الحرمان الجنسي و العنف!

أثرت منذ فترة تساؤلا عبر صفحة الفيسبوك حول علاقة الكبت الجنسي بالعنف.. لكن يبدو أن الصفحة ليس فيها عدد كبير من الباحثين في علم النفس, فلم يدر نقاش مطول حول الموضوع.

لذلك, اسمحوا لي أن أدلي بدلوي في هذه المسألة, كي لا أكون قد تركت الأمر معلقا:

كيف نفسر ظاهرة التحرش الجماعي؟

هناك ظاهرة في علم النفس تسمى Deindividualization ..حين يذوب وسط الجموع الشبيهة به و يمارس العنف الموجه ببساطة جدا، لأن المسؤولية تتوزع على العدد الكبير.. مثل العنف في المدرجات و المظاهرات.. و مثل ظاهرة التحرش الجماعي..

هل من الممكن أي يحدث التحرش الجماعي في بلد أخرى؟؟ هل تذكرون صورة ليدي جاجا حين ألقت بنفسها على الجمهور شبه عارية، و لم يتحرش بها أحد (بشكل عنيف على الأقل)؟

عنف الحشود ظاهرة معروفة وواردة في كل مكان فيه حشود منفعلة.. لكن الطابع الجنسي العنيف لا يظهر إلا في البلاد التي تعاني من هذا التشوه النفسي.. هل رأيت الفيديو الذي يتحرش فيه أحد الأشخاص من جنسية عربية، بفتاة منقبة؟

من الوارد أن يكون أحد اسباب هذا الهوس الجنسي هو الفصل بين الجنسين بشكل مَرَضي.. لدرجة ان كل هؤلاء المتحرشين - اتوقع انهم من بيئات منخفضة المستوى- لم يتعامل في سياق حياته مع بنت غريبة عنه - أمه و اخته ليستا غرباء بطبيعة الحال فالمقارنة بيهما لن تردعه نفسيا.. السياق الاجتماعي لحياتنا -نحن البشر الطبيعيون- جعنا نتعامل مع أي بنت غريبة عنا بأسلوب فيه ذوق و احترام للأنثى استنادا إلى خبرات إنسانية سابقة.. فحين ترى الفتاة في الشارع، لن تعتبرها مثل أك أو اختك، بل كزميلتك في العمل أو الكلية التي اعتدت التعمل معها باحترام لأنك لست حيوانا..أما هؤلاء فليست لديهم نموذج سابق "كزميلة" أو "صديقة" بنت.. المرأة الغريبة التي يعرفونها هي التي يرونها في الأفلام الإباحية أو الهواجس الجنسية فيشعرون بالكبت، فيحدث هذا العنف الموجه حين تحين الفرصة.

تعالوا نتحدث عن العلاقة بين الحرمان الجنسي و العنف.. و المراجع العلمية للدراسات المذكورة في نهاية المقال.

العنف، سواء اللفظي أو الجسدي، ملمح مهم في فيديوهات التحرش التي رأيناها.. الأمر ليس إشباعا للرغبة الجنسية لكن هناك عنف واضح،.

فما هي أسباب العنف التي قد تنطبق علي هذه الحالة؟

- طبقا لعلم النفس التحليلي و التطوري, العنف غريزة موجودة عند الكائنات لتساعدها في البقاء (يسميها فرويد غريزة التدمير) لكن الإنسان يحاول أن يكبت هذه الغريزة أو يعبر عنها بطرق متحضرة, فيعجز عن هذا أحيانا.

- علماء النفس الاجتماعي يرون أن احتمال لجوء الإنسان العنف (اللفظي أو الجسدي..) يزيد في ظروف محددة.. منها:

1- الحر !

جاء العلماء بمجموعتين من الناس, جعلوا الأولى تشاهد صورا لاسلحة مختلفة.. و وضعوا الثانية في غرفة مرتفعة الحرارة! فوجدوا أن الاشخاص في المجموعة الثانية كانوا أكثر استعدادا للعنف من المجموعة الأولى!الحر يجعلنا أكثر استعدادا للشعور بمشاعر سلبية -كالغضب- ما يجعل فرصة العنف أكبر!

2- الإحباط:

حين يرغب الإنسان في شيء لكنه يعجز عن الحصول عليه, يشعر بالغضب فيزيد احتمال لجوئه للعنف للتنفيس عن هذه المشاعر. يحدث هذا خصوصا حين تكون الرغبة شديدة جدا, فيكون عدم إشباعها مسببا لإحباط أكبر. ففي تجربة, قام العلماء بحرمان بعض الاطفال من اللعب بألعاب رؤوها أمامهم.. ثم سمحوا لهم بذلك بعد 20 دقيقة, فلاحظوا أن الأطفال الذين شعروا بالحرمان, كان لعبهم أكثر عنفا و خشونة.. من الذين لم يشعروا بهذا الحرمان!

كما يقول بعض العلماء أن هناك علاقة بين الحرمان من المتع الجسدية , و العنف.. و قاموا بدراسات علي اطفال من دول مختلفة و وجدوا العلاقة واضحة.. الثقافات التي لا تشبع رغبات أبنائها تكون فرصة لجوئهم للعنف أكبر.

لذلك تقوم برامج إعادة تأهيل الإرهابيين في السعودية, بالبحث عن زوجات لهؤلاء الإرهابيين!

3- انعدام المعنى

يزيد تأثير الإحباط في السلوك العنيف حين "لا يكون هناك تفسير واضح" لسبب حدوث هذا الاحباط... فلو كان الإنسان يدرك سبب عدم حصوله على ما يريد و كيفية الحصول عليه في المستقبل, سيكون أكثر هدوءا و استقرارا.

في تجربة, جعلوا مجموعة من الناس يجرون اتصالات للترويج لسلعة ما, و كان بعض العملاء -المتصل بهم- يرفضون الخدمة ذاكرين السبب "لقد فصلت من عملي و لن استطيع الاشتراك معكم" بينما رفض البعض الآخر الخدمة دون إبداء سبب.. فلاحظ العلماء أن المتصل الذي يتم إحباطه (دون تفسير) اغلق سماعة الهاتف بقوة أكبر من الذين تم رفضهم مع توضيح السبب!

معرفة تفسير الإحباط مهم كي يشعر الإنسان برضا أكبر عن حياته و يتحمل مصاعبها..من المهم أن تكون للإنسان "فلسفة حياة" تفسر له معنى ما يحدث في العالم حوله, و هذا يتحقق بالمعتقدات الدينية و بالثقافة المتماسة.. و ليس ادعاء اي منهما!

حين يقول أحد أن الإحباط و الحرمان الجنسي من أسباب العنف, فهذا القول لا يخلو من صواب.

لذلك تقوم بعض الجيوش بحرمان أفرادها من ممارسة الجنس أثناء الاشتباكات, كي يكونوا أكثر شراسة!

بعض الطرق لتقليل العنف (اللفظي و الجسدي..) في مجتمعاتنا:

توفير الاحتياجات الفسيولوجية الطبيعية التي خلقها الله ليتم إشباعها لا لتكبت, و تنوير الناس و تعليمهم كي لا تكون حياتهم و إحباطاتهم عبثية بلا معنى, و توفير اساليب صحية للتنفيس مشاعرهم السلبية (كالرياضة و حرية التعبير عن الرأي...), و معاقبة مرتكب العنف بحسم و عدم حصوله على ما يريد, كي لا يرتبط العنف بشكل لاواع بتحقيق الهدف منه.. و إتاحة التعامل الطبيعي بين الجنسين في كل المراحل العمرية كي يعتاد الناس التعامل مع بعضهم في سياقات اجتماعية مختلفة!

و شوفوا لكم حل في موضوع الحر ده!

د.شريف عرفة

====================

مراجع:

Anderson, C. A., Anderson, K. B., & Denser, W. E. (1996). Examining an affective aggression framework: Weapon and temperature effects on aggressive thoughts, affect, and attitudes. Personality and Social Psychology Bulletin, 22, 366-376.

Barker. R., Dembo, T. and Lewin, K. (1941). Frustration and aggression. An experiment with young children. University of Iowa Studies in Child Welfare,18 , 1-314

Freud, A. (1949). Aggression in relation to emotional development: normal and pathological. Psychoanal. Study Child, 3(4), 37-42.

Kulik, J. A., & Brown, R. (1979). Frustration, attribution of blame, and aggression. Journal of Experimental Social Psychology, 15(2), 183-194.

Prescott, J. W. (1975). Body pleasure and the origins of violence. The Bulletin of The Atomic Scientists, 10-20

Speckhard, A. (2011). Prison and community-based disengagement and de-radicalization programs for extremist involved in militant jihadi terrorism ideologies and activities. Psychosocial, organizational and cultural aspects of terrorism, 1-14.

 

 

تعليقات القراء